حركة الضّمير: لأننا بشر

إننا ضمن العائلة الإنسانية، مأمورون في جميع الأديان والنصوص الأخلاقية بعدم الاقتتال، فإن لم يكن من الحرب بدّ فنحن مطالبون بالمحافظة على حقوق الإنسان والقيم الأخلاقية. ومع ذلك فإننا نشهد زيادة مستمرة في وتيرة جرائم الحرب المرتكبة في مناطق النزاع، وذلك في انتهاك صارخ لجميع الاتفاقات الدولية المتعلقة بقوانين الحرب، والمُوقع عليها من سائر الدول تقريباً. وإننا عاجزون تماماً عن محاسبة مرتكبي هذه الجرائم أو حتى الحيلولة دون وقوعها.

من المعروف أن تاريخ الإنسانية مليء بالحروب الدامية، وخلال 7000 عام من تاريخ الإنسان لم يعهد العالم سوى 13 عام تخلو من الحروب. إن الإنسان أخفق في منع نشوب الحروب لكنه نجح دوماً في الموت والقتل بشكل جماعي! ثمة أناس كثيرون حول العالم عانوا من الحروب وما زالوا يعانون منها. وجميعنا نذكر بألم وخشوع الحربين العالميتين التي شهدتهما الإنسانية خلال القرن المنصرم، حيث قضى ملايين البشر من مختلف الأعراق حول العالم نحبهم خلالهما. كل نفس قُتلت في تلك الحروب لها ذات القيمة لأنفسنا، كما أن كلاً منها كانت مفعمة بألوان شتى من الأحلام والمشاعر مثلنا تماماً.

شهدت هذه الحروب جرائم لا تحصى. وحتى لا تتكرر تلك الآلام تضرع الناس بالدعاء رافعين أيديهم إلى السماء من كل بيت وكل شارع وكل جامع وكل كنيسة وكل كنيس حول العالم، لكن الحرب لم تنتهي وما زالت آلامها مستمرة.

إن العالم اليوم يشهد حرباً وحشية اندلعت نيرانها في سوريا في شهر مارس/آذار 2011، ومنذ ذلك الحين ونحن نشهد في سوريا العديد من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان تُرتكب على مرآى ومسمع من العالم أجمع: رأينا الأطفال تُقتل تحت وابل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والبراميل المتفجرة. لقد كنا شهوداً على حالات التعذيب والاغتصاب والإعدام والمجازر الجماعية والتهجير القسري للملايين وغير ذلك من المظالم… وفي المحصلة فقد أكثر من 450 ألف شخص حياتهم وفق الأرقام الرسمية، ولا يزال الرقم الكامل لأعداد الموتى مجهولاً. ويوجد نحو 76000 ألف سوري مجهول المصير من بينهم أطفال ونساء، حيث تعرضت 13.581 إمرأة للاعتقال وما زالت 6.736 معتقلة يتعرضن كل يوم للتعذيب والتحرش والاغتصاب والمعاملة اللإنسانية. لقد اتخذ النظام السوري الاغتصاب سلاحاً. كما تزال أعداد المعتقلين في المعامل والمستودعات والأبنية المهجورة التي يتخذها النظام السوري كسجون مجهولاً إلى الآن. ولقد تعرضت بعض النساء للاعتقال أثناء فترة حملهن، ووضعن أطفالهن في أماكن اعتقالهن. وتم اعتقال بعد النساء من بيوتهن مع أطفالهن. وثمة نساء تعرضن في المعتقل للاغتصاب مراراً وتكراراً، وحملن جراء ذلك، ثم اضطررن لوضع أطفالهن في المعتقل. ولقد أعربت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا عن قلقها من أن عدد حالات العنف الجنسي المسجلة أقل بكثير مما هي عليه في الحقيقة جراء الصدمات النفسية والخوف من الملاحقات الأمنية.

وقد استحدثت الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ولا سيما اتفاقيات جنيف، أنظمة لمنع وقوع الضرر على السكان المدنيين ومنع انتهاكات حقوق الإنسان في ظل ظروف الحرب. وقد تم عقد اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين. “لكل فرد الحق في التمتع بالضمانات القانونية الأساسية. ولا یمكن أن یحاسب شخص على عمل لم یقترفه. ولا ینبغي تعریض أي شخص للتعذیب الجسدي أو العقلي، أو العقاب الجسدي أو أیة معاملة قاسية ومهينة. إن أطراف النزاع وأفراد قواتها المسلحة لا یتمتعون بخيار غير محدود في استخدام الطرائق والأساليب الحربية. فيحظر استخدام الأسلحة أو الأساليب الحربية التي من شأنها إلحاق خسائر غير ضروریة أو تسبب معاناة مفرطة. على أطراف النزاع التمييز في جميع الأحوال بين السكان المدنيين والمقاتلين من أجل الحفاظ على أرواح المدنيين وممتلكاتهم. ولا ینبغي أن یكون السكان ولا الأفراد المدنيون عرضة لأي هجوم. فالهجمات ینبغي ألا تستهدف غير الأهداف العسكریة”.

وتخص الاتفاقية النساء وحمياتهن بشكل صريح وواضح:

  • يجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن، ولاسيما ضد الاغتصاب، والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن.
  • تعمل أطراف النزاع أثناء قيام الأعمال العدائية على عقد اتفاقات للإفراج عن فئات معينة من المعتقلين أو إعادتهم إلى الوطن، أو عودتهم إلى منازلهم أو إيوائهم في بلد محايد، وبخاصة الأطفال، والحوامل، وأمهات الرضع والأطفال صغار السن، والجرحى والمرضى، أو المعتقلين الذين قضوا في الاعتقال مدة طويلة.
  • إعطاء أولوية قصوى للنظر في حالات النساء الحوامل والأمهات رهن الحبس أو الاحتجاز، وأن تعمل أطراف النزاع أثناء العمليات العدائية على عقد اتفاقات للإفراج عن النساء الحوامل وأمهات الرضع والأطفال صغار السن أو إعادتهن إلى الوطن أو عودتهن إلى منازلهن أو إيوائهن في بلد محايد. وحظر تنفيذ حكم الإعدام على النساء الحوامل، أو أمهات صغار الأطفال اللواتي يعتمد عليهن أطفالهن.

كما تتضمن المادة الثالثة لاتفاقية جنيف الرابعة في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:

الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.

ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:

(أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب

(ب) أخذ الرهائن

(جـ) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة

(د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

إن الاتفاقيات الدولية، تنص وجوب تنفيذ الدول والجهات الدولية المختصة وجميع مكونات المجتمع الدولي هذه الاتفاقيات بفعالية، وتعترف بأن المجتمع يخضع لحماية هذه المبادئ الأساسية. إن حماية حياة الإنسان وكرامته هي مبدأ أساسي.

نحن نؤمن بأن تحقيق العدالة وتطبيق القانون مرهون بالضمير العام، أي بتفعيل ضمير الإنسانية. من المعلوم أن السلام خير لسائر البشر، لكن إرساءه أصعب بكثير من اشعال فتيل الحرب. ومع ذلك لا بد من وضع قانون للحرب يمنع توحشها. لأننا بشر ونريد أن نفعل ما يليق بالإنسان. نقول بضرورة إيجاد قانون وأخلاق للحرب. إن محاسبة أي من مرتكبي تلك الجرائم المذكورة أعلاه هي مسئولية كل العائلة الإنسانية سواء كانت في حرب دولية أو محلية.

من نحن؟

نحن صدى صيحات النساء المعتقلات في سجون سوريا. 

نحن ضمير الإنسانية.

نحن المؤمنون بحق الإنسان، أياً كان دينه أو عرقه أو لونه، في العيش بكرامة دون التعرض للظلم أو التعذيب.

نحن أولئك الذين نمثل كلمات التضرع والأدعية المرتفعة إلى السماء من أجل خلاص كل إمرأة معتقلة أو طفل معتقل في سجون سوريا.

نحن المؤمنون بأن إنشاء عالم يحمي ويحترم حقوق الإنسان لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تحرير المعتقلين من الإطفال والنساء في سجون سوريا.

ونحن من نريد الآن!

الحرية لكل النساء والأطفال في السجون السورية.